من موت المؤلف إلى موت القارئ ؟؟ هل نشهد موت الكتاب قريبا ؟-حسن الرموتي (المغرب)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مقالات

من موت المؤلف إلى موت القارئ ؟؟
هل نشهد موت الكتاب قريبا ؟

  حسن الرموتي    

مع  رولان  بارط  كأحد  رموز و رواد النقد  البنيوي  سيمنح  للنص  استقلالا  تاما ،  و ذلك عندما أعلن  في مقالته الشهيرة سنة - 1968 -  موت الكاتب، أي عدم التركيز على المؤلف ، أوالقصد من النص ، مادام الكاتب  ليس موجودا  بيننا ،  بل  يذهب رولان  بارط  إلى أن  بمجرد أن تتم  طباعة العمل  يفقد الكاتب صلته بالنص ، ولا يصبح  مالكا له ، ولا يتمتع  بأي  حقـوق  فكرية 1 . فقد نزع بارت سمة القدسية التي كانت تضفى على المؤلف ولم تعد قيمة النص ترجع إلى عبقرية المبدع بل حلت  السمة التي  تطبع العمل محل الكاتب  ، موت الكاتب عند بارت  سيؤدي   بالضرورة  إلى ميلاد طرف آخر في هذه  المعادلة وهو القارئ  أو الناقد والذي ستصبح  له الحرية  الكاملة  ليستبيح  النص  و يفعل  به ما يشاء ، مادام مبدع  النص هو خارج هذه المعادلة.  و إذا كان النص يظل في ذهن المؤلف بإعتباره أول قارئ  له و ناقد ، فإنه  يتحول إلى ذهن القارئ  و بأشكال  مختلفة تماما ،  ذلك أن الاهتمام  بالمؤلف أو  بالنص لم  يعد هو الأساس كما هو الحال عند رواد نظرية التلقي بل  إن الاهتمام بالقارئ  و شروط القراءة هو ما يهمنا أولا و أخيرا ،هذا القارئ   – أي قارئ - و في أي  عصر يعطي  للنص  تفسيرا أو تفسيرات لا حدود لها  مادام  ليست هناك  مقاييس  يمكن الرجوع  إليها  ليشترشد بها  هذا القارئ ، فقد  أدى هذا الوضع إلى أن النصوص أصبحت  تحتمل أي معنى و لا معنى 2 .  فأصبح  بذلك القارئ  أو الناقد هو المبدع الحقيقي ،  يبتدع  معان داخل النص دون أن  يتقيد  بشروط  معينة ،  بذلك غدا هو العنصر الأساس  مادام النص في إدراكه لا يوجد إلا داخل  وعي القارئ ، من  هنا  كان هـذا الاهتمام  بالقارئ  وحده ضربة  موجعة للنص  نفسه ،  و القارئ  نفسه  في  تفسيره  لهذا النص  يصبح هو المبدع  لمعان  جديدة ،  يقدم  نسخته الممكنة  في التفسير ،  نسخته  تتحكم  فيها  سياقات  تاريخية  وإجتماعية  و ثقافية  تختلف  عن  سياقات الآخرين 3    وقد أشار عبد الفتاح كليطو  إلى  ذلك  .«..فالقارئ  يقرأ النص انطلاقا  من إهتمامات  تخصه أو الجماعة التي  ينتمي  إليها ، القارئ   يهدف دائما  إلى غرض... يسعى إلى إثباته .. . »  4   هكذا  تصبح  علاقة  القارئ   بالنص علاقة  متينة  ،  يطبعها  التوحد ، علاقة  متداخلة  يصعب  التمييز بين  الطرفين ،  فيغدو بذلك  القارئ  هو النص ،  و النص هو القارئ ، ومن خلال هذا الانصهار و الذوبان ، أي  ذوبان  كل منهما داخل الآخر  ، هو ما عبر عنه  بارت  بلذة  النص ، أي  متعة  القراءة  و ذلك  من خلال  انتهاك  النص و إفتضاض  بكارته  ،  و ذلك ليس  بالأمر الهين  «...أن  تمارس الكتابة  هو أن  تموت  لنفسك  و لذاتك ، و أن تمارس القراءة  هو أن  تقبل أن  يأخذك الكاتب إلى  شواطئ  المتعــة و الموت...» 5   فالقراءة  بهذا  المعنى هي القراءة  الواعية و التي ترتبط  باستعداد هذا القارئ ،هذا الإستعداد  تحكمه شروط الثقافة ،  شروط الزمان  و المكان ، و مادام  النص  يكتسب  قيمته من  هذه الشروط  ،  فالقارئ  من  هذا المنطلق  يقتحم  النص ،  و الذي  قد  يبدو أول  الأمر مغلقا ،  لكن ما فتىء  يكشف عن  مفاتنه و عوالمه و عمق  تفاعله مع الأنساق الأخرى ، لأن في نهاية المطاف لا يملك  فقط  خصائص ما يطرحه من معان أو تيمات التي تشكل  بنيته «... بل يقدم لنا ويخلق أمامنا شروطا للإدراك... » 6   وذلك ما يدفع القارئ  أثناء  قراءته  للنص إلى  طرح أسئلة  كثيرة  يبحث عن الجواب عنها  من  النص ، و أحيانا  يمارس  تعسفا  على  النص ، حيث  يلجأ إلى  بتره أو قطع أجزاء  منه  و جذب  أجزاء أخرى  تتسم  مع التأويل الذي  يسعى إليه 7   بخلاف أن  النص هو كيان  مستقل و شامل لا يمكن أن  ندرك عـوالـمه  وبنيته  الكاملة إلا من  خلال  كل عناصره المشكلة له ، و القارئ  – الناقد -  عليه  أن  يـدخـل معه  في  تفاعل  و حوار و إنصهار ، إذ  ليست  هناك عناصر فرعية و أخرى  أساسية في النص.  لكن عن أي قراءة نتحدث ؟ وعن أي قارئ ؟  القراءة  ليست  لعبة مجانية ،  ليست هواية  نلجأ  إليها  في لحظا  معينة ،  أثناء  السفر ، أو نحن نشاهد التلفاز ، القراءة  نشاط  ذهني  واع  ، إنها  قراءة  من  يبحث على السمو و الخلاص  إنها قراءة  من  يحاول إعاد ة بناء  الواقع بالحلم ، أو تجسيد  الحلم في الواقع ،  لذلك  تختلف  القراءة  من  شخص إلى آخر ، هذا  الاختلاف  يعود  إلى القارئ  و درجة  وعيه  بالقراءة – أي  بالنص المقروء - إن القراءة فعل واع ، متأن ، مصغ ، قراءة متيم و متأمل و عاشق للنص إنها القراءة التي  تغير الذات ، التي لاتستسلم  للنص ،  بل  تدخل  معه في حوار،  باحثة عن مفاتنه ، عن  تميزه  ، عن  دلالاته  المتعددة ، و تأويلاته ألا نهائية ،  عبر مختلف العـصـور ذلك هو سر خلود الأثر الأدبي  . أما مفهوم القراءة عند رولان  بـارت يتخذ شكلا مميزا  « ... القراءة  وحدها  تعشق الأثر الأدبي و أن  نقيم  معه علاقة  شـهوة  فأن  نقرأ معناه أن  نشتهي الأثر ، و أن نرغب  أن نكونه  8      إن مفهموم النـشـوة  هي ما عبر عنه  بلذة  النص التي أشرنا  إليها  و هو تعبير جعله رولان  بارط  عنوانا لأحد كتبه المهمة و الذي  صدر سنة - 1973 -  معتبرا بذلك القراءة هي العنصر الذي  يساعـد القارئ  على القيام  بدور فعلي  إيجابي ،  من  خلال  هذا العشق الذي ينشأ  بين  الطرفين . إن  القراءة  من  هذا المنطلق  ليست  فعلا  بسيطا ،  ليست  فعلا  بصريا ،  و ليست عملية  تلـقي  الخطاب  كأن النص  حدد نهائيا ،  بل  إنها  أشبه  بقراءة  الحكماء  للعالم  من خلال التأمل و النظرة الثاقبة و البحث عن المسالك المؤدية للمعرفة .
 إذا كان هذا هو موقف بعض النقاد من القراءة ، فعن أي قارئ نتحدث ؟
إن انتقال  سلطة النص في النقد الحديث إلى سلطة القارئ ، و اهتمام النقاد  بالمتلقي  أصبحنا أمام سيل من المفاهيم  و المصطلحات  تصف هذا القارئ  بمسميات  مختلفة ،  و هذا شـيء  طبيعي ،  أولا بسبب  اختلاف القراء أنفسهم ، و درجة و عيهم   بالقراءة  و بالأثر الأدبي من  جهة ، و من جهة  أخرى هو هذا التعدد  في  الترجمات . وقد أحصى الدكتور محمد  المتقن أكثر من  عشرين اسما مثل  : الخبير ، الحقيقي  ، الناقد ، المؤهل  ، المقصود ، الافتراضي ، المعاصر ، الأصلي  ، المثالي.... 9   والواقع أن  أغلب هذه  المفاهيم هي  مسميات  لمسمى  واحد ،  ذلك  أن القارئ الأصيل  ،الخبير النموذجي أو ما شئت من الأسماء  يبقى هو القادر على إفتضاض بكارات النص ، و إعادة  بنائه مرات متعددة و قراءة  دلالاته  اللفظية و النصية  بصيغ مختلفة ، و يمكن وصفه بقائد أوركسترا يقود  فرقة موسيقية  تعزف  كل مرة  أنغاما جديدة .  إنه  يبعث  في النص  ليس عن حياة واحدة  بل  حيوات ،  يملأ فرغاته ،  مادامت حياة النص  تشبـه إلى  حد  كبير حياة  القارئ- ، ففي كل  منها فراغات و عوالم  خفية ، وعلى كل  واحد أن يكمل الآخر في درجة  من التماهي...  لكن مع الدراسات النقدية الجديدة بدأنا نرى تحولا كبيرا يتجلى في سحب  البساط من القارئ و إعلان موته من خلال أعادة الاعتبار إلى النص ليس من منظور النقد الأدبي لكن من منطلق النقد الثقافي دون إلغاء ما حققته البنيوية و التفكيكية و غيرها من الاتجاهات النقدية ،فالنقد الثقافي ينطلق من أن النص هو نظام يبحث عن ما هو كامن  داخل النص  من انساق ثقافية . لأن النص هو في النهاية إنتاج  للسلطة و المعرفة و بالتالي ضرورة البحث عن العلاقة  ـ بين المعرفة والسلطة ، فالنص لم يعد مستقلا بذاته  بل انه يعكس أنماطا و أشكالا من المعرفة  الخفية هي التي يسعى النقد الثقافي الكشف عنها، هذا هو الخلاف بين النقد الأدبي البنيوي و النقد الثقافي الجديد،  أي الكشف عن الأنساق الثقافية  و المعرفية و الإيديولوجية داخل الخطاب ،و بالتالي  فالنقد الثقافي يدرس النص ليس من الناحية الفنية بل من حيث علاقته بالمؤثرات المعرفية التي ترتبط به ، أي الكشف عن الخطاب الثقافي بعد تحليله و تشريحه من الناحية الجمالية و النصية متناولا الأنساق الثقافية في النص و تفاعله معها، وأكيد أن العملية معقدة ومركبة  لأن القارئ لا يملك آليات الاشتغال، ثم هذا التداخل بين فعل القراءة و الرصيد المعرفي للمتلقي ، و النقد  الثقافي يسعى إلى تفسير النص انطلاقا من الثقافة التي أنتجته و الكامنة فيه ويجب الكشف عنها و تشريح النص أمام معارف متعددة و علاقة ذلك بالأجناس الثقافية و العلوم المختلفة . وقد سعى أصحاب النقد الثقافي باختلاف اتجاهاتهم إلى العودة إلى النص و إعادة الاعتبار إليه مع ربطه كخطاب أو رسالة – أى النص – مع الخطابات الثقافية الأخرى غير الأدبية المرتبطة بالبنية الفوقية  و التحتية للمجتمع من هنا يبرز هذا الارتباط بين النقد الثقافي و الاتجاهات الماركسية و اليسارية  و إن كان الأمر لا يتخذ سمة الوضوح لذلك أصبح النص  خطابا تكمن في أعماقه القيم الإيديولوجية  و الثقافية و السياسية و الاجتماعية المهيمنة  هكذا جاء النقد الثقافي  كرد فعل ضد فوضى إستراتجية التفكيك  أي ضد التيه النقدي 10 . هل نحن الآن أمام اتجاه نقدي يسعى إلى موت القارئ  و لمن ستصبح السلطة ؟ إن حيوية الفكر النقدي المنفتح  على العقل و عبر مراحل تطوره أعلن موت الإله و لتعلن الفلسفة بعد  ذلك موت الإنسان ، و مع البنيوية في أوج  ازدهارها ستعلن موت المؤلف ليجد القارئ اليوم نفسه و قد سحب البساط من تحت قدميه ، ليس لصالح  النص و لكن  لصالح الثقافة و المؤسسة التي  انتجته ، لكن تمة سؤال آخر من حقنا أن نطرحه ، بكل بساطة هل  في المستقبل القريب سنشهد نهاية  الكتاب الورقي ، و نعلن بذلك موته ، إن التقدم الإكتروني الذي نشهده اليوم ، و هذه الشبكة العنكبوتية  التي تطاردنا ، و سهولة التعامل معها و ما تمنحه من آفاق معرفية ، ثم كتاب النيت الذي يبشر ولا  شك  بنهاية حياة الكتاب الورقي ، ويصبح فقط مجرد تحفة تزين خزائننا ؟ أكيد أن الأمر يتطلب وقفة للتأمل في   ظل ارتفاع نسبة الأميين في العالم العربي ، و هذا العزوف عن القراءة ...بل تدني نسبتها أصلا و ضعف المستوى  المعرفي للطلبة ، كل ذلك يبشر بأن موت الكتاب سيكون اختراعيا عربيا إ



  هوامش البحث
عالم المعرفة مدخل إلى النقد الأدبي جماعة من الكتاب عدد221 / ماي 1997 / ص209
1- د أحمد أبو زيد احمد أبو زيد عالم الفكر المجلد/16 العدد 4 ينايرفبراير مارس 1986 ص 21
-2- دفاعا عن الخيال د نور شريف عالم الفكر المجلد 16 / العدد4 /1986 ص 298
3- عبد العزيز حمودة الخروج من التيه عالم المعرفة ع 298 نوفمبر /2003 ص 128
4- عبد الفتاح كليطو المنهجية في الآداب و العلوم الإنسانية ، مشترك دار توبقال للنشر
الطبعة 3 / 2001 ص 19
5 محمد الزاهيري فكر الاختلاف و كتابة الجسد الثقافة الجديدة العدد 29/السنة 7 /1983 ص 53 –
6 مجلة نقد و فكر ع 13 السنة الثانية 1998 ص 125
7- عبد الفتاح كليطو المرجع السابق ص 207- مجلة نقد و فكر ع 13 السنة الثانية 1998 10-
8رولان بارط النقد و الحقيقة ترجمة ابراهيم الخطيب مجلة الكرمل ع 11 1984 ص26
9- د محمد المتقن عالم الفكر المجلد 33 العدد2 ص 23
10 عبد العزيز حمودة الخروج من التيه نفسه ص351
  حسن الرموتي (المغرب) (2009-11-03)
Partager

تعليقات:
سعيد بكور /المغرب 2012-07-24
مقال في المستوى يناقش أهمية المتلقي \القارئ في عملية الإبداع باعتباره جزءامن العملية.
البريد الإلكتروني : said.bakour1982@gmail.com

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

من موت المؤلف إلى موت القارئ  ؟؟
هل نشهد موت الكتاب قريبا ؟-حسن الرموتي (المغرب)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia